في خطوة غير مسبوقة نحو تعزيز التعاون الدولي في مجال التمريض، احتضنت مدينة فاس يوم الأربعاء 5 نونبر 2025 لقاءً علميًا ومهنيًا جمع بين الممرضين المغاربة ونظرائهم الأمريكيين، في إطار شراكة جمعت المنظمة المغربية للتمريض والحق في الصحة، والجمعية المغربية للممرضين في التخدير والإنعاش، وجمعية طلبة المعهد العالي للعلوم التمريضية وتقنيات الصحة بفاس من الجانب المغربي، إلى جانب جمعية الممرضين المزاولين بولاية نيويورك من الجانب الأمريكي.
كان هذا اللقاء أكثر من مجرد حدث أكاديمي؛ فقد شكّل جسرًا إنسانيًا ومعرفيًا جمع بين ثقافتين تمريضيتين مختلفتين، التقتا حول هدف مشترك: تطوير المهنة والارتقاء بجودة الرعاية الصحية وفقًا لأحدث المعايير الدولية.
افتُتح اللقاء بعرض أكاديمي تناول المسار التكويني والمهني للممرضين بولاية نيويورك، حيث تم تسليط الضوء على النموذج الأمريكي في التدرج المهني من ممرض مسجل (Registered Nurse) إلى ممرض مزاول متقدم (Advanced Practitioner Nurse) وصولًا إلى درجة الدكتوراه في علوم التمريض.
وقد أبرز المتدخلون الدور المحوري الذي تقوم به هيئة الممرضين بولاية نيويورك في ضمان كفاءة الممارسين، من خلال تتبع تكوينهم، وتقييم مهاراتهم قبل وبعد الترخيص، مما يعكس ثقافة مهنية صارمة توازن بين الكفاءة العلمية والمسؤولية الأخلاقية.
تطرق اللقاء إلى أهمية وجود تشريعات واضحة تنظم المهن التمريضية وتحدد مسؤوليات كل فئة، باعتبار ذلك حجر الزاوية في حماية المهنة والمرضى على حد سواء.
وقد ناقش المشاركون ضرورة تحديث مصنف الأعمال التمريضية بالمغرب، بما يضمن التكامل بين مهنيي الصحة ويعزز فعالية المنظومة الصحية الوطنية.
في فقرة محورية، تم عرض التجربة الأمريكية في مجال حماية المرضى والمهنيين داخل النظام الصحي، عبر ما يُعرف بـ قانون السامري الصالح (Good Samaritan Law) الذي يحمي الممرضين ومهنيي الصحة من المتابعات القضائية غير العادلة أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني.
وقد اعتبر المشاركون أن هذا النموذج القانوني يشكل ضمانة للاستقرار المهني والنفسي، ويدعم بيئة عمل آمنة تشجع على العطاء والتفاني.
قدمت دكتورة في التمريض من الجانب الأمريكي عرضًا علميًا شيقًا حول داء السكري، تناولت فيه آخر ما توصلت إليه الأبحاث في مجالات الوقاية والعلاج والرعاية التمريضية المتقدمة.
وقد ركز العرض على الدور الحيوي للممرضين في متابعة المرضى المزمنين، وتقديم الدعم النفسي والتثقيفي لهم، بما يحسن من جودة حياتهم اليومية.
أضفى طلبة المعهد العالي للعلوم التمريضية وتقنيات الصحة بفاس حيوية خاصة على اللقاء من خلال مداخلاتهم وأسئلتهم العلمية الدقيقة، التي عكست مستوى التكوين والانفتاح الفكري الذي يتميز به جيل الممرضين الجدد في المغرب.
وقد شكل هذا التفاعل مؤشراً مشجعًا على أن مستقبل التمريض المغربي يسير بثبات نحو التميز العلمي والمهني.
في ختام اللقاء، عبّر الجانبان المغربي والأمريكي عن رغبتهما المشتركة في مواصلة التعاون من خلال تنظيم ملتقيات ودورات تكوينية مشتركة، وتبادل الخبرات في مجالات البحث العلمي والعلاجات المتقدمة.
كما تم الاتفاق على تعزيز التواصل بين الممرضين في البلدين، بهدف بناء شبكة مهنية دولية قادرة على مواكبة التحديات الصحية الراهنة، وتطوير جودة الرعاية المقدمة للمرضى.
يأتي هذا اللقاء ليؤكد أن التمريض المغربي يعيش مرحلة تحول حقيقية، تتجه نحو الانفتاح والاعتراف الدولي بالكفاءات الوطنية.
ومع تزايد مثل هذه المبادرات، يبرز الأمل في أن يصبح التعاون العلمي الدولي قاعدة دائمة لتطوير الممارسة التمريضية، لا استثناءً عابرًا.
