كل ما يجب أن تعرفه عن مهنة التمريض في المغرب
قبل أن ترتفع أصوات الأجهزة في غرف الإنعاش، وقبل أن يفتح المريض عينيه على ضوء غرفة العمليات، هناك من يقف على خط البداية… إنهم الممرضون.
ليسوا مجرد أشخاص يرتدون معطفًا أبيض، بل قلوبٌ صبورة تحمل عبء الألم اليومي وتُترجم الإنسانية إلى أفعال.
في المغرب، قد لا تحضر صورة الممرض في مقدمات نشرات الأخبار، لكن حضوره في حياة الناس لا يُمكن تجاهله. يكفي أن يمرّ شخص بليلة ألم داخل مستشفى حتى يفهم أن التمريض ليس وظيفة… التمريض حياة كاملة.
هذه ليست جملة شاعرية، بل حقيقة تروى داخل كل مرفق صحي، وتزداد وضوحًا مع تحول مهنة التمريض إلى محورٍ أساسي في إصلاح المنظومة الصحية المغربية، خصوصًا بعد جائحة كوفيد التي جعلت الجميع يقترب أكثر من هذه المهنة الصامتة الباذلة.
---
جذور مهنة التمريض في المغرب
لم يولد التمريض اليوم، بل بدأ طريقه منذ بدايات القرن العشرين مع تأسيس المستشفيات النظامية في المغرب. ومع مرور السنوات، تطور التكوين وتعددت التخصصات، ليصبح الممرض عنصرًا أساسياً في رحلة المريض، منذ لحظة دخوله المستشفى وحتى عودته إلى حياته الطبيعية.
ومع إنشاء المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة (ISPITS)، أصبح التكوين أكثر تنظيماً وعمقاً، وتطورت المهارات السريرية والتقنية للممرضين، ليصبحوا عناصر مؤهلة علمياً وميدانياً.
---
كيف يصبح الإنسان ممرضًا في المغرب؟
الرحلة تبدأ بعد الباكالوريا، غالباً من الشعب العلمية.
من هناك، يتجه الطالب نحو مباراة الولوج للمعاهد العليا، ليبدأ ثلاثة أعوام تجمع بين المحاضرات، مراكز التدريب، والسهر الليالي في الحراسة داخل المستشفيات.
التكوين ليس مجرد دروس نظرية، بل احتكاك مباشر بالحالات الواقعية، والتعامل مع أزمات وحالات إنقاذ حياة قد تغيّر نظرة الطالب للعالم من أول مناوبة.
---
تخصصات التمريض في المغرب: تنوع يخدم صحة المواطن
رغم أن كلمة "ممرض" تأتي بصيغة عامة، إلا أن المهنة تضم مسارات متعددة، وكل مسار يحمل معارك يومية مختلفة:
✅ شعبة العلاجات التمريضية (6 تخصصات)
- ممرض متعدد التخصصات
- ممرض في التخدير والإنعاش
- ممرض في الصحة النفسية
- ممرض في العلاجات الاستعجالية والإنعاش
- ممرض في علاجات المواليد
- ممرض في صحة الأسرة والصحة الجماعاتية
✅ شعبة تقنيات الصحة (7 تخصصات)
- الإحصائيات الصحية
- صيانة المعدات البيوطبية
- المختبر
- الأشعة
- الحمية والتغذية
- محضر في الصيدلة
- الصحة والبيئة
✅ شعبة الترويض وإعادة التأهيل (6 تخصصات)
- مقوم البصر
- مصحح النطق
- نفساني حركي
- مروض طبي
- واضع أجهزة استبدال الأعضاء
- الترويض بالعمل
✅ شعبة القبالة
القبالة
✅ شعبة المساعدة الطبية والاجتماعية
المساعدة الاجتماعية
هذه التخصصات ليست مجرد عناوين، بل أدوار تكمل بعضها، وتُشكّل شبكة أمان للمريض في كل مراحل العلاج.
---
يوم في حياة الممرض المغربي
لا أحد يفهم قيمة الراحة إلا من جرّب السهر على مرضى تتقلب حالتهم كل ساعة.
الممرض ليس فقط معالجًا، بل مستمع وصديق، ويد تمسك بالمرضى حين يخافون من المجهول.
لكن الواقع ليس وردياً دائمًا:
خصاص مهول في الموارد البشرية، ضغط عمل، نقص معدات، أجر لا يوازي المجهود، ومسؤولية لا يمكن التهرب منها.
ومع ذلك… يقفون في الصف الأول، دائمًا.
---
حين جاءت الجائحة…
في عز الخوف، عندما توقف العالم، بقي الممرضون في الخط الأمامي. كانوا يواسون المرضى، يراقبون التنفس، ويحاولون حماية أنفسهم بصمت، لأن التراجع لم يكن خيارًا.
تغيرت نظرة المجتمع كثيرًا بعدها. فقد اكتشف الجميع أن الممرض هو خط الدفاع الذي لا يمكن للمنظومة الصحية أن تستقيم بدونه.
---
مستقبل التمريض في المغرب
الطريق أمام المهنة يتجه نحو الأفضل مع إصلاحات 2030:
- تقوية التكوين والبنيات الصحية
- توسيع اختصاصات الممرضين
- تحسين ظروف العمل والتحفيز
- إشراك الممرض في القرار الصحي
لكن ذلك لن يتحقق إلا بنظرة جديدة للممرض…
نظرة تستحضر أنه ليس مساعداً لأحد، بل شريك رئيسي في إنقاذ الأرواح.
---
صوت من الميدان
يقول “يوسف”، ممرض شاب:
“اشتغلت في الإنعاش خلال الجائحة. تعب لم ينتهِ وخوف لم يفارقنا، لكن كل لحظة نجاة لمريض كانت كافية تجعلنا نواصل.”
كل ممرض في المغرب يحمل قصةً كهذه، وكل قصة دليل أن هذه المهنة ليست لـمن يبحث عن وظيفة… بل لمن يريد أن يصنع فرقًا حقيقيًا.
---
كلمة أخيرة
التمريض في المغرب ليس مجرد مهنة صحية؛ إنه مرآة لقيمة الحياة وعمق الإنسانية.
حين نرفع مكانة الممرض، نرفع جودة حياة المواطن ونقوي أمنه الصحي.
الاستثمار في التمريض… استثمار في الوطن.
